محمد حميد الصواف
بزيه الشعبي المعتاد يجلس الشيخ عدنان الاسدي متربعا وسط مضيفة الجديد المشيد من عيدان قصب البردي، تتحلق حوله أبناء عمومته من أبناء القبيلة الذين وفدوا الى مدينة كربلاء بعد رحيلهم القسري عن موطنهم الأم مدينة الناصرية.
فالأسدي لم يكترث الى انتقادات وتعليقات أهالي مدينة كربلاء الأصليين التي تتباين بين عبارات التهكم والاستهجان والسخرية، خصوصا بعد تشييده لذلك المضيف الذي لم تشهد كربلاء نظير له سبق في تاريخها.
فكربلاء تلك الحاضرة التاريخية لطالما تميز عمرانها بمواكبة التطور تماشيا من حداثة العصر، واتصفت مبانيها بطرازات معمارية مأخوذة من العمارة الفارسية القديمة او الطراز الغربي الحديث، الامر الذي جعل من تشييد بيوت القصب امرا غير مألوف او مقبول لدى كثير من أبناء مدينة كربلاء، الذين يطلقون على أنفسهم أبناء الولاية، بمعنى أبناء المدينة الأصليين.
وما بيت القصب سوى حالة بسيطة من ظاهرة التمييز الخفي وما ينسحب عليه من مشاعر استياء ورفض متبادلتين بين السكان القدامى والنازحين الى المدينة.
ويعلق الاسدي، “هذه عاداتنا واعرافنا واسلوبنا في العيش سواء كنا في كربلاء او الناصرية”.
معللا، “اعتقد اننا في بلدنا ولا يوجد قانون يمنع ممارسة اعرافنا”.
ويضيف، “ما كنا لنهجر أراضينا وبساتيننا لولا الجفاف الذي فتك بماشيتنا ومزارعنا وقطع علينا سبل العيش الكريم”.
والاهوار هي مسطحات مائية كبيرة تحتل جزءا كبيرا من مساحات جنوبي العراق وتحديدا الحدودية منها مع دولة ايرانالمجاورة، وتشترك معها ببعضها مثل هور الحويزة قبل عمليات التجفيف.
وتعاني مدينة الناصرية اسوة بمدينة العمارة الواقعتين جنوبي العراق من جفاف الاهوار المستمر منذ أكثر من عشرين عاما، على إثر قرار رئيس النظام البعثي صدام حسين قطع موارد مياه عنها لإخماد حركات التمرد التي كانت تنطلق من الاهوار بشكل مستمر.
وتسبب جفاف الاهوار بمشكلة مناخية وبيئية كارثية على صعيد العراق ودول الإقليم، اذ نفقت الالاف رؤوس الماشية وانعدمت الحياة السمكية التي كانت تمثل المصدر الرئيس لعيش السكانالى جانب جميع اشكال الحياة النباتية، فضلا عن تأثير ذلك التجفيف على مسار الطيور المهاجرة عالميا.
هذا الامر دفع بمئات الالاف من سكان الاهوار الى النزوح صوب المدن الأخرى، مثل البصرة وكربلاء والعاصمة العراقية بغداد، كونها مدن تتمتع بحركة سياحية تنعش الأوضاع الاقتصادية فيها.
الا ان محاولة النازحين فرض شكل الحياة التي كانت في الاهوار على مدينة مثل كربلاء، وممارسة اعرافهم القبلية، شكل مدعاة للتبرم والازعاج لدى الأهالي المدينة.
يقول الحاج صبري الحسناوي، “المشكلة ان النازحين يسعون الى فرض اعرافهم العشائرية على سكان مدينة تتصف بالتحضر”.
معلقا، “هذا الامر مرفوض جملة وتفصيلا فالمدينة يحكمها القانون والثقافة المجتمعية المتمدنة وليست قرية من قرى الارياف المنزوية”.
تلك الملاحظات التي يشير اليها الحسناوي يزيد عليها أحد أعضاء مجلس المدينة بالتأكيد على ارتفاع معدلات الجريمة في المدينة.
ويقول، “ارتفعت معدلات السرقة وجرائم القتل بشكل نسبي بسبب نقل النازحين ثقافة العنف الى المدينة”.
ويضيف، “الامر لم يتوقف على هذا الشيء فقط، بل تسبب باكتظاظ سكاني يضغط على البنى التحتية للمدينة، فإمداداتالطاقة وشبكات المياه باتت شحيحة بعد انتشار الكثير من الاحياء التي يقطنها النازحين”.
مبينا، “الحكومة المركزية لا تزال تحدد الموارد المالية الخاصة بمدينة كربلاء وفق معدلات السكان القديمة التي تعود الى أكثر من عقدين خلن”.
ومما زاد الطين بلة بحسب مراقبين ان السلطات العراقية لم تجري أي احصائيات لعدد السكان وأماكن انتشارهم منذ عام 2003، معتمدة في توزيع الإيرادات الخاصة بكل مدينة على إحصاء عام 1997.
فيقول الناشط الحقوقي عبد الستار الراضي، “الموارد المالية التي تخصصها الحكومة المركزية لا تنسجم ونسبة عدد السكان الفعليين”.
وبحسب تقارير شبه رسمية فقد تضاعف عدد سكان مدينة كربلاء من سبعمائة وخمسين الف الى اكثر من مليوني نسمة خلال العقدين الماضيين.