تقرير / احمد صلاح
تشهد محافظة كربلاء، واحدة من أبرز المدن في العراق، تغيرات ملحوظة في المشهد الاجتماعي والثقافي في السنوات الأخيرة، ففي الوقت الذي شهدت فيه زيادة في عدد المقاهي والمطاعم، تراجعت منتديات الشباب الثقافية، مما أثار العديد من التساؤلات حول الأسباب والتداعيات لهذه التحولات.
فما هي التحولات المتوقعة في السياق الثقافي والاجتماعي لكربلاء في السنوات القادمة؟ وكيف يمكن للمجتمع المحلي التأقلم مع هذه التحديات والحفاظ على هويته الثقافية؟ تلك هي بعض الأسئلة التي تستدعي البحث والتأمل لفهم المستقبل المحتمل لهذه المدينة العريقة.
زيادة عدد المقاهي والمطاعم في مواجهة الهوية الثقافية
تعد محافظة كربلاء الآن موطنًا لعدد كبير من المقاهي والمطاعم، إذ أصبحت وجهة مفضلة للشباب والعائلات على حد سواء، لتناول الطعام وقضاء الوقت معًا.
تتميز هذه المقاهي والمطاعم بتوفير بيئة مريحة وخدمة عالية الجودة، مما يجعلها محطة جذب رئيسة للسكان المحليين والزوار.
من الملاحظ أن العديد من المقاهي والمطاعم تتميز بتصميمات عصرية وأنيقة، مما يجعلها ملائمة لذوق الشباب وتفضيلاتهم، بالإضافة الى إن بعض المقاهي والمطاعم تقدم تشكيلة واسعة من الأطعمة والمشروبات، والأطباق الغربية والعربية والآسيوية، مما يلبي مختلف الأذواق والاحتياجات.
وفي هذا السياق تحدثنا مع الصحفي نورالدين الفتلاوي الذي أكد لنا إن “تزايد عدد المطاعم والمقاهي في محافظة كربلاء يثير قلقًا بالغ الخطورة بسبب تأثيرها السلبي على المنتديات الثقافية والفكرية في المدينة، فعلى الرغم من الجوانب الاقتصادية الإيجابية لهذه الزيادة، إلا أنها تأتي على حساب الحياة الثقافية والفكرية للمجتمع”.
مشيرًا الى، إنّ “المنتديات الثقافية والفكرية تُعد منصات حيوية لتبادل الأفكار وتعزيز التواصل والتفاعل الاجتماعي بين الشباب والمثقفين، وانخفاض نشاطات هذه المنتديات بسبب التفضيل المتزايد لزيارة المقاهي والمطاعم، هذا التفضيل يهدد الفرص الثقافية والتعليمية التي توفرها المنتديات”.
واستطرد الفتلاوي في حديثه، إنه “يجب على السلطات المحلية والمنظمات الثقافية، العمل على تعزيز دور المنتديات الثقافية والفكرية، وتوفير بيئة داعمة للحوار والنقاش وتبادل الأفكار، وينبغي أن تكون الجهود موجهة نحو تشجيع الشباب على المشاركة في الأنشطة الثقافية والفكرية، وتوفير المساحات المناسبة لهذا الغرض”.
يدفعنا الامر الى ضرورة تحقيق التوازن بين التطور الاقتصادي والثقافي وهذا ليس مجرد تحدي، بل هو واقع قاسٍ يتطلب منا اتخاذ إجراءات حاسمة للحفاظ على التنوع والغنى الثقافي في مجتمعنا. إذا لم نتصدى لهذا التحدي بشكل فعال، فسنجد أنفسنا في مواجهة فقدان هويتنا وثقافتنا تحت وطأة موجة لا هوادة فيها من التطور الاقتصادي.
الشباب يستهلك الثقافة بدلاً من خلقها
على الرغم من زيادة عدد المقاهي والمطاعم، إلا أن المشهد الثقافي في كربلاء يعاني من انخفاض في عدد المنتديات الشبابية الثقافية.
كانت هذه المنتديات في السابق تلعب دورًا هامًا في تعزيز الوعي الثقافي والتفكير النقدي بين الشباب، ولكنها الآن تواجه تحديات جمة.
واحدة من أبرز الأسباب وراء انخفاض عدد المنتديات الشبابية الثقافية هي التحولات في أولويات واهتمامات الشباب.
يبدو أن الشباب يفضلون قضاء وقت فراغهم في أماكن الترفيه والاستجمام بدلاً من المشاركة في الأنشطة الثقافية. يمكن أن تكون هذه الظاهرة نتيجة لتأثير الثقافة الشعبية والإعلام والتكنولوجيا، اذ يفضل الشباب استهلاك الثقافة بدلاً من خلقها.
علاوة على ذلك، فإن الانشغال بالتفاعل عبر وسائل التواصل الاجتماعي قد أدى إلى انخفاض في التفاعل الاجتماعي الواقعي والحوار الثقافي بين الشباب.
وذكر الباحث في التاريخ الإسلامي علي حسين عبد، إنه “مع ارتفاع عدد المقاهي والمطاعم في مدينة كربلاء، تظهر صورة محزنة لانخفاض عدد المنتديات الشبابية الثقافية هذا الانخفاض يمثل تحديًا حقيقيًا للمجتمع الشبابي، ويطرح استفسارات مهمة حول مستقبل الثقافة والتفكير النقدي في المدينة”.
وأشار عبد الى انه “تاريخيًا، كانت المنتديات الشبابية الثقافية تلعب دورًا حيويًا في تعزيز الوعي الثقافي وتحفيز التفكير النقدي بين الشباب. ومع ذلك، يبدو أن الأولويات والاهتمامات قد تغيرت، مما أدى إلى انخفاض ملحوظ في المشاركة في هذه الأنشطة الثقافية”.
وبيّن، إنّ “الدراسات تظهر ميول الشباب إلى قضاء وقت فراغهم في أماكن الترفيه والاستجمام بدلاً من المشاركة في الأنشطة الثقافية”.
إن هذه التحولات تستدعي التفكير الجاد حول كيفية إحياء المنتديات الشبابية الثقافية وإعادة جذب الشباب للمشاركة فيها.
لذا يجب على المؤسسات والجهات المعنية اتخاذ خطوات فعّالة لتعزيز التفاعل الثقافي بين الشباب، وتشجيعهم على المشاركة في الأنشطة الثقافية والتثقيفية.
تحول المنتديات الشبابية في كربلاء إلى أماكن ترفيهية: مأساة ثقافية
تشكل المنتديات الشبابية في أي مجتمع جزءًا أساسيًا من البنية الثقافية والاجتماعية، حيث تُعتبر منصات حيوية لتبادل الأفكار وتعزيز التفاعل الثقافي بين الشباب. ومع ذلك، تشهد محافظة كربلاء في العراق تحولًا مأساويًا يتمثل في تحول المنتديات الشبابية إلى أماكن ترفيهية. يعكس هذا التحول الصعود القلق للترفيه على حساب الثقافة، مما يشكل مأساة ثقافية تهدد الهوية والتراث الثقافي للمدينة.
وقال رئيس حملة شبابنا علي حاكم الميالي، إنّ “قلة المنتديات الثقافية يعود لإهمال الجهات المعنية للمنتديات والمراكز الشبابية الثقافية والفنية، والمسؤول الأول وزارة الشباب والرياضة ومن ثم مديرية الشباب والرياضة والحكومة المحلية في محافظة كربلاء”. مبينًا إنّ “الكثير من هذه المنتديات آيلة للسقوط مثلا منتدى عين التمر، فهو معرّض للسقوط في أي وقت، كذلك القاعة الموجودة في منتدى شباب الحر تلاقي نفس المصير”.
يقول الميالي، إنّ “الميزانية المخصّصة لهذه المنتديات والقطاع بشكل عام تمثل من ( 5 – 7 % ) من ميزانية محافظة كربلاء”، مشيرًا الى إنّ “الكثير من منتديات الشباب والرياضة والمراكز الثقافية في كربلاء تم من احالتها الى الاستثمار فتحولت جزءًا منها إلى مطاعم أو مقاهي، وبالتالي الشباب الكربلائي إذا أراد حضور ندوة، أو ان يقيم نشاطًا لا يجد في محافظته مكان لهذا الغرض؛ لذا يضطر للذهاب إلى الى محافظة أخرى لإقامة نشاطه”.
تنطوي مأساة تحول المنتديات الشبابية في كربلاء إلى أماكن ترفيهية على تحديات كبيرة تهدد التراث الثقافي والروح الاجتماعية للمجتمع.
لذا توجب على الجهات المعنية اتخاذ إجراءات عاجلة لتعزيز دور المنتديات الثقافية وإعادة إحياء الحوار الثقافي بين الشباب.
اصبح الحفاظ على التراث والتفاعل الثقافي الفعال يمثل تحديًا حقيقيًا يتطلب تضافر الجهود من الحكومة والمجتمع المدني والشباب للحفاظ على الهوية الثقافية وبناء مستقبل أفضل لكربلاء وللعراق بأسره.
الحكومات المحليّة خيانة للشباب وإهدار لموارد الأمة
إن عدم اهتمام الجهات الحكومية بتعزيز الأنشطة الثقافية والترفيهية للشباب في محافظتنا هو إهمال فاضح لمستقبل الشباب وتقويض للثقافة والترابط الاجتماعي، لذا يجب عليها أن تتحمل مسؤوليتها وتتخذ إجراءات فورية لتحفيز الشباب ودعمهم في تطوير مهاراتهم واهتماماتهم الثقافية، إذ لا يمكن تجاهل الوضع الراهن لانخفاض عدد المنتديات الشبابية الثقافية، ذلك يعكس فشلًا كبيرًا من الجهات الحكومية في توجيه الاهتمام والدعم لهذه الفئات ، ويظهر الإهمال الشديد تجاه الجوانب الثقافية والتربوية للتنمية الشبابية.
وفي هذا السياق تقول الناشطة الاجتماعيّة صفا البو سنه، إننا “لا يمكننا تجاهل الآثار السلبية للإهمال الحكومي على الحياة الثقافية والاجتماعية في مجتمعنا، وتخلي الجهات الحكومية عن دورها في تعزيز النشاطات الثقافية وتقديم الدعم للشباب يعد خيانة للثقة وتجاهل لمتطلبات التنمية المستدامة”.
وأضافت، إنّ “الجهات الحكومية عليها أن تضع الشباب في مقدمة أولوياتها، وأن تعمل على تشجيع الأنشطة الثقافية والترفيهية التي تساعد في تعزيز التفاعل الاجتماعي وتنمية المهارات، وعدم تقديم الدعم اللازم يعتبر خيانة للشباب وإهدار لموارد الأمة”.
تسبب تقديم الجهات الحكومية الأولوية للمقاهي والمطاعم على حساب المنتديات الشبابية الثقافية في تفاقم ظاهرة انعدام الثقافة بين الأجيال، وهذا السلوك يعكس تفاقم الأولويات السطحية على حساب التنمية الشاملة وتعزيز التواصل الثقافي والاجتماعي.