تعاني مدينة كربلاء المقدسة من غياب وسائل النقل العام الفعّالة والموثوقة، التي يعتمد عليها المواطنون في تنقلاتهم اليومية.
وفي ظل هذا الوضع، يبحث السكان عن الحلول العملية لتحسين وتوفير وسائل النقل العام التي تلبي احتياجاتهم.
باتت مدينة كربلاء تشهد نقصاً حاداً في وسائل النقل الرصينة، خاصة حافلات النقل العام التي يصفها البعض بـ “الحوت الأحمر”.
تاريخ دخول الحوت الاحمر إلى كربلاء
اوردَّ كتاب (كربلائيون في ذاكرة التراث الشعبي) لمؤلفهِ الاستاذ صاحب الشريفي في طبعتهِ الثالثة في سطور الصفحة (170)، ان” الإدارة المحلية في كربلاء استحدثت مصلحة نقل الركاب عام 1952 وكانت تابعة بدورها إلى وزارة الداخلية”.
وأضاف، “جهزت كربلاء بـ(٦) سيارات من نوع شوفرليت حمراء اللون تعمل محركاتها بالبنزين، وفي عام 1956 أضيفت لها 12 سيارة من نوع مرسيدس تعمل محركاتها بوقود الگاز وكانت هذه السيارات تحتوي على أبوابٍ عادية تفتح يدويا وفي عام 1958 أضيفت لها 24 سيارة من نوع مرسيدس ذات الابواب الأوتوماتيكية”
وبقيت هذه الحافلات الحمراء تؤدّي خدماتها للمواطنين ثم اختفت في ثمانينيات القرن المنصرم، وكانت حينها تسمى (الحوت الاحمر)
وزارة النقل تعلن العودة
وفقًا لبيان رسمي اطلقته وزارة النقل العراقية بتاريخ 8 / 11 / 2020 والموافق يوم الاحد ذكرت الوزارة ان “وزارة النقل/ الشركة العامة لنقل المسافرين والوفود، شكلت لجان مختصة بالتعاون مع محافظة كربلاء المقدسة لدراسة الواقع الموجود في المحافظة والمباشرة في تشغيل باصات النقل العام داخل المدينة”.
وبين مدير عام الشركة المهندس كريم كاظم حسين، انه “استنادا لتوجيهات وزير النقل الكابتن ناصر الشبلي بتفعيل النقل العام في محافظة كربلاء، تم الايعاز الى اللجان المختصة للبدء في اعمالها وتهيئة كل العوامل من أجل ادخال باصات الشركة في شوارع واحياء محافظة كربلاء خدمة للمواطنين الكرام في المدينة المقدسة”.
واضاف، ان “باصات الشركة ستضفي صورة حضارية وايجابية على المدينة لما تتميز به من خدمات وتوفر سبل الراحة للركاب المتنقلين وتنسجم مع خصوصية المدينة القدسية والامنية، كونها واجهة للسياحة الدينية في البلاد”.
عودة الحوت الاحمر الى كربلاء
شهدت محافظة كربلاء المقدسة يوم الثلاثاء 23 / 11 /2021 انطلاق المرحلة الاولى لتشغيل حافلات النقل العام بحضور المحافظ ومدير عام نقل المسافرين والنائب الاول للمحافظ وقائد شرطة كربلاء.
واوضح محافظ كربلاء نصيف الخطابي خلال مشاركته حفل الانطلاق انذاك ان “هذه المرحلة تمثل الخطوة الاولى في انطلاق النقل العام في المحافظة وستكون هنالك وجبات اخرى من الباصات للوصول الى ال ١٠٠ باص”.
وبيّن حينها وفقًا لوسائل الاعلام المحليّة ان “النقل العام لا يؤثر على النقل الخاص خاصه وان النقل العام يعد خدمة اساسية في كل بلدان العالم وسينطلق ضمن خطوط واماكن توقف مخصصة ،لافتا الى ان “الحكومة المحلية وقسم الاتصال والتكنلوجيا ستطلق تطبيقاً الكتروني للهواتف ليتم من خلاله معرفه مسارات الباصات ووقت وصوله”.
واوضح الخطابي ان “النقل العام سيخدم بشكل مباشر اغلب شرائح المجتمع كالطلبة والمتقاعدين والمعاقين وابناء الشهداء من خلال التخفيض والدعم باصدار بطاقة خاصه بهم اضافه الى باقي الشرائح الذين سيتم شمولهم بعد وصول الباصات التي تم تنسيق مع وزارة النقل في وصولها”.
اين اختفى الحوت الأحمر؟
وفقًا لوكالة نون المحلية التي نشرت بتاريخ الاثنين,14-03-2022 تصريحًا لمصدر مطلع ذاكرًا، ان “المشروع اصبح غير مجدي وان واردات العمل عليه لا تغطي تكاليف الوقود والصيانة، وان الباصات عرضت على سائقين اهليين للعمل عليها مقابل تسديد اجور الوقود والصيانة لكنهم رفضوا العرض، وهو ما دفع ادارة الشركة الى تسليم عدد منها الى مؤسسات حكومية مقابل اجور متفق عليها، أمّا ما تبقى منها فترك بالعراء”.
استياء وتساؤل
تجولت في شوارع المدينة للوقوف على آراء المواطنين حول هذه الظاهرة، وقد وجدت آراء متباينة بين القلق والاستياء من الوضع الحالي، وبين الأمل في تحسن الخدمات في المستقبل.
حيث أكد السيد محمد علي، أحد المواطنين، قائلاً “نعاني يومياً من صعوبة التنقل في المدينة بسبب غياب حافلات النقل العام، ونأمل من السلطات المحلية البحث عن حلول جذرية لهذه المشكلة”.
بينما أعربت السيدة زهراء الربيعي عن استيائها قائلة “نحن بحاجة ماسة إلى وسائل نقل عامة تعمل بشكل فعال وموثوق به، فالنقص في الحافلات يؤثر سلباً على حياتنا اليومية ويزيد من تكاليفنا، لاسيما ونحن لا نشعر بالأمان عن تأجيرنا لعجلات التكتك او التكسي”.
ويعتقد المواطن نور الدين حسين أن “عدم تفعيل وسائل النقل العام في كربلاء يعود إلى غياب رؤية الحكومة الاستراتيجية لتطوير هذا القطاع”.
ويقول نور “نحن بحاجة ماسة لخطة شاملة تهدف إلى تحسين وتطوير وسائل النقل العام في المحافظة، وتلبية احتياجات المواطنين في التنقل بين المناطق المختلفة بكربلاء، لاسيّما وان خطوط النقل الخاص التي تربط مركز المدينة لا تغطي جميع الاحياء السكنية، فـأن الحكومة إذا كانت ترغب في تحقيق التنمية ورفاهية المواطنين، فيجب عليها وضع خطط واضحة لضمان عودة مصلحة نقل الركاب بشكل فعّال”. ويشير الى أن “تفعيل وسائل النقل العام سيسهم في تحسين جودة الحياة والبيئة في كربلاء ويعمل على تحقيق التنمية المستدامة في المحافظة”.
رأي الشارع
عملت على إجراء استطلاع لآراء مجموعة من المواطنين حول مدى حاجتهم لوسائل النقل العام في كربلاء، وتم استطلاع اراء قرابة الـ (200) شخص، وفق عملية ميدانية والكترونية وكانت النتائج كالتالي:
– ضد تفعيل خدمة النقل العام: 15%
– مع تفعيل خدمة النقل العام: 65%
– غير مهتم: 20%
وفي ظل هذا الوضع، يتعين على السلطات المحلية البحث عن حلول عاجلة وفعالة لتحسين وسائل النقل العام في كربلاء، وتلبية احتياجات المواطنين.
وتوفير وسائل نقل عامة موثوقة وفعالة يعتبر بالفعل أمراً حيوياً لتحسين جودة الحياة ورفاهية المجتمع المحلي.
وهناك بعض الأسباب التي تبرز أهمية هذا الأمر منها تعزيز الوصولية من خلال توفير وسائل نقل عامة يسهل على الناس الوصول إلى الأماكن المختلفة بسهولة وبتكلفة مناسبة، وتقليل الزخم المروري بتشجيع استخدام وسائل النقل العامة، يمكن تقليل الازدحام المروري والاختناقات على الطرق، مما يؤدي إلى تحسين تدفق حركة المرور وتقليل وقت الانتظار، والحفاظ على البيئة من خلال تقليل عدد السيارات الخاصة واستخدام وسائل النقل العامة وهذا مايقلل من انبعاثات الغازات الضارة والتلوث البيئي، فضلًا عن تقليل التكاليف، اذ ان استخدام وسائل النقل العامة يمكن أن يوفر على المواطنين تكاليف التملك والصيانة الخاصة بالسيارات الخاصة، ويساهم في تقليل النفقات الشخصية للسفر، وهذا ما يعزز الاقتصاد المحلي.
من ابتلع الحوت الأحمر ؟
وبينما يتواصل الحديث عن تحسين وسائل النقل العام في كربلاء، فإن التساؤل حول من ابتلع الحوت الأحمر، الذي يمثل مصلحة نقل الركاب في المدينة، يظل قائمًا بكل تأكيد.
يشير هذا التساؤل إلى الحاجة الملحة لمعرفة المسؤولين عن تلك القرارات والإجراءات، وتحملهم المسؤولية فيما يتعلق بتحسين وتطوير وسائل النقل العام.
مع تزايد التوتر حول هذه القضية، يبقى السكان ينتظرون تحقيق الوعود الحكومية، التي قدمتها السلطات المحلية لتحسين خدمات النقل العام وتوفير وسائل نقل موثوقة وفعالة، ويتطلب ذلك التعاون الجاد والجهود المشتركة بين الحكومة والمجتمع المحلي وقطاع النقل لتحقيق تحسين شامل في جودة الحياة ورفاهية المواطنين في كربلاء.
ومع ذلك، فإن تنفيذ الوعود الحكومية يتطلب وقتًا وجهدًا، وقد تواجه تحديات مختلفة على طول الطريق.
لذا يجب أن يظل الضغط والمطالبة بالتحسينات والتغييرات اللازمة مستمرين، لضمان تلبية احتياجات وتطلعات المواطنين وتحقيق التقدم والتنمية في مجال النقل العام في كربلاء.