الثدي هو عضو موجود في جسم الإنسان، يكون بارز وفعال في المرأة و خامل عند الرجل، من وظائفه هو تغذية الطفل بعد ولادته الى سن معين من عمره، يفرز الحليب الذي يحتوي على جميع الفيتامينات التي يحتاجها جسم الرضيع، لذلك عملية الإرضاع تكون مهمة جداً له، تلك العملية لن تحدث فقط للمرأة و الطفل بل حتى الدولة تقوم بإرضاع الحكومات و تغذيتهم لخلق حكومة قوية وفعالة لخدمة ابناء الدولة و شعبها، الدولة هي ام الحكومات، هي التي تنجب و تربي الحكومات و تجعلها يافعة لغرض قيادة البلاد و السير به نحو الطريق الصحيح، اذا اردنا أن نأخذ الدولة العراقية مثالاً لتربية الحكومة و خلق الحكم المناسب للبلد، فأننا سنصطدم بمصطلح ” التثدي الحكومي “، منذ سقوط الحكم العثماني و قيام الحكم الملكي في العراق، بدأت الدولة بعملية الإرضاع الحكومي بفرز النفط الخام لغرض تقوية النظام الحاكم وخلق بيئة صالحة للعيش، ولكن ذلك الإرضاع لم يجدي نفعاً، ففي الحكم الملكي قد تشكلت ٥٩ حكومة و كانت أطول فترة حكم في العهد الملكي هي سنتين وكان رئيس الوزراء في وقتها نوري سعيد الذي وحده شكل ١٤ حكومة في ذلك العهد، تلك التقلبات الحكومية جعلت العراق غير قابل للاستقرار، بل جعلته ميدان للتجارب، في عام ١٩٥٩ قامت ثورة ١٤ تموز و قد استلم الحكم عبد الكريم قاسم و عادت الدولة لترضع الحكم الشيوعي لغرض جعل العراق في حالة توازن و استقرار ولكن بعد ٤ سنوات عاد العراق الى حلبة الانقلابات ليرفع علم عبد السلام عارف علم الثورة من جديد لتبدأ الدولة بدورها في تغذية الحكم، حتى وصول عبد الرحمن عارف بعد وفاة اخية عبد السلام، ولكن لم يدم طويلا حتى جاء البكر بلباس البعث فسيطر على الحكم، وفي عام ١٩٧٩ برز بريق صدام حسين ليستلم الحكم من البكر ليظهر لنا التثدي الحكومي .
ان التثدي يحدث للرجل فقط، عندما يكتسب الرجل السمنة زائدة تبدأ اثدائه بالنمو لتكبر وتصبح بارزة ولكن من دون أي فائدة، هنا يمر الرجل بمرحلة التثدي لتبدأ حياته بنوع من عدم الاستقرار، لأنه سيحرم من أمور كثيرة مثل بعض الملابس او الاكلات وغيرها، بل وحتى يتم تشبيهه بالنساء، حتى يكون مجبر ان يعمل عملية ازالة تلك الاثداء للرجوع لحياته الطبيعية.
في فترة حكم صدام حسين للعراق، بدأ الحكومات العراقية تشهد التثدي الحكومي، ففي طيلة حكم صدام حسين وحتى سقوط النظام العراق لم يتقدم خطوة الى الامام بل تخلف عن العالم بأكثر من خطوة، ففي الحرب الإيرانية العراقية، الحكومة كانت واضحه عليها معالم التثدي و عجزها عن مساعدة الشعب، حتى احتلال الكويت الذي ادخل العراق في دوامة الفوضى ليعيش بعدها بحصار دام ١٣ سنة، في ظل تعدد حكومات من دون أي فائدة تذكر سوى الفقر و الجوع و الظلم الذي عاشه العراقيين، ليأتي عام ٢٠٠٣، سقط تمثال صدام في وسط بغداد لينتهي معه أسوء حكم عاشه العراق، لتبدأ الدولة بأكبر عملية إرضاع في تاريخ البلاد، دامت ١٨ سنة وما زالت مستمرة الى يومنا هذا، ولكن من دون أي أنجاز يذكر، ١٩ حكومة قد تشكلت وجميعها لم تقدم أي فائدة تذكر الى الشعب العراقي ليعيش مرة أخرى بالتثدي الحكومي ولكن هذه المرة لا أحد يعرف متى سينتهي هذا التثدي و لا احد يعلم متى ستتوقف الدولة عن ارضاع هذه الحكومات، و لا نعلم من الجراح الذي سيقوم باستئصال تلك الاثداء لكي يعود العراق الى الاستقرار و تبدأ مرحلة جديدة من البناء و التطور وليعيش شعبه بخير ذلك الإرضاع الذي لم يستفد منه شيء منذ اكثر من مئة سنة.