(جميع الأعمال الفنية والمعمارية والمواقع والحقائق العلمية والمنظمات الدينية المذكورة في هذه الرواية حقيقية).
هذهِ العبارة تشاهدها في الصفحات الأولى لأي رواية من سلسلة روايات الكاتب الأميركي ( دان براون)، وبالتحديد ما يزيد الإثارة والتشويق بأن ما ستقرأه هو يحمل حقيقة معينة وتأريخ صحيح وحقائق مخفية من الواقع الذي يعيشهُ الكاتب والقارئ على حد سواء.
يتجول (روبرت لانغدون)، في شوارع ومتاحف والأبنية العامة لبيباو، أسبانيا، حيث استخدم الكاتب هذه الشخصية الخيالية للمرة الخامسة ومن اعتاد على قراءة السلسلة الروائية سيجد رابطة تربطهُ مع هذهِ الشخصية الشيقة.
الأصل هي الصراع حول الوجود بين الدين الذي يُعتبر الطريقة القديمة بوجهة نظر العالم المستقبلي (إدموند كيرش)، وبين العلم الذي يريد أن نجتمع جول رايتهُ هذا الأخير (إدموند كيرش)، الرواية تتمحور حول سؤالين لطالما سألهُ الجميع (من أين أتينا وإلى أين نحن ذاهبون)، ويحاول العالم المستقبلي في الحوسبة، صاحب الابتكارات التكنولوجية المتقدمة ومن الرائع هو أن هذا العالم ذو الأربعين عام هو كان طالب عند روبرت لانغدون في أيام التعليم الجامعي، يُحاول الإجابة على هذين السؤالين من خلال تجمع كبير وحفل في متحف غوغنهايم، يضم الأشخاص الذين لهم بصمة في العالم بشكل فعلي، ظهر (إدموند كيرش) مثل السحر على المسرح وتكلم بعض الشيء، حتى توسطت رصاصة لعينة جبينهُ لتخلفهُ جثةً هامدة، وما كان للأستاذ والصديق تجاه (إدموند كيرش)، فقد أعطانا درس بليغ عن الرابط الذي يربط الطالب والأستاذ بحزام العلم الذي لا يعترف بالعمر ولا المكانة، فحين وقف (روبرت لا نغدون) عند رأس الجثة قال:(سيحين وقت الحداد. أما الآن فالوقت للعمل).
واجه (روبرت) المتاعب والمصاعب مع شريكتهُ في الراوية والمهمة ملكة اسبانيا المُستقبلية (أمبرا فيدال)، التي تربطها علاقة عمل مع ( إدموند كيرش) ورأت من واجبها الإنساني أن تواصل ما ابتدأ بهِ وأن تكون وفية بعد وفاتهِ رغم الضغوطات التي واجهتها من خطيبها الأمير(جوليان)، وتمكنوا من الهرب من الحرس الملكي وراحوا يبحثون عن كلمة السر كي يعيدوا تشغيل الفيديو بشكل كامل حيث أن (إدموند كام قد سجل الحدث مسبقاً)، وواجهتهم المشاكل والعراقيل وعدم الثقة بأحد ما فلا يعرفون من هو محل الثقة في هذه الساعات ولا سيما أنهم علموا أن البيت الملكي متهم بالتورط في عملية الاغتيال وأن الجانب الديني هو المتهم الوحيد اليوم في هذا المقتل لأنه يتضارب مع القواعد الدينية.
رحلة البحث حول كلمة السر هي بحر من الملاحظات والملاحقات والمطاردات وعلى القارئ أن يفتح عقله جيداً ويقطف هذه المعاملات التي كتبت بشكل دقيق وصحيح ونظامي لربما لا يجدها بهكذا نظام في أي كتاب آخر، فأن قوة الكاتب (دان براون) تكمن في دقة المعلومة وغزارة المعلومات المتواجدة بوفرة في طي الصفحات، وهذا ما يجعل القارئ يترك كُل ما يحيطهُ ويشغل كل حواسهِ ويوجهها نحو الرواية فهي تسرقك نحو عالم صنعه الكاتب بنفسه.
في رحلة اكتشاف السر ل(روبرت لانغدون) و (أمبرا فيدال)، ولا ننسى صديقهم الإلكتروني (وينستون)، الذي رافقهم طوال الرحلة وهو من أكبر مخترعات(إدموند كيرش)، وانتهت رحلة البحث عن كلمة السر ببيت شعري للشاعر (ويليام بليك)، والذي يتفق معهُ غريب الأطوار (إدموند كيرش)، في بعض الأفكار حول الدين والبشرية.
ثم بدأت رحلة مشاهدة تقرير(إدموند كيرش) والمشاهدات تقارب الربع مليار نسمة حول البث المباشر وعبر مشاركة القنوات لهذا التقرير وأوضح (إدموند كيرش) نظريتهُ الخاصة وفكرتهُ عن نشوء الأرض وحاول الإجابة على السؤالين (من أين أتينا وإلى أين نحن ذاهبون)، وقدم العرض كاملاً وقد شد انتباه الجميع من المتابعين لِمَ في هذا التقرير من معلومات ونظريات لم تطرق بوابة أفكارهم يوماً، وقد تحدث حول نشوء البشرية والانفجار العظيم وهل يوجد (الله) أم لا يوجد، واستمر العالم الملحد بمحاضرتهِ وعرضه الممتع بكل هذه الأحداث، وما يعجب المتلقي بنظرته الثاقبة نحو المستقبل الذي يسوده العلم والتكنولوجيا حتى يتحد الإنسان مع التكنولوجيا بكائنٍ واحد وينظر (إدموند كيرش)، أن البشرية قد تقاتلت مع بعضها بسبب الدين وأن أمه ماتت بسبب تداعيات دينية باطلة، ولكن العلم لا يحوي الدماء ولا يزهق الأرواح، فقبل مليار سنة حدث الانفجار الكمبري وفيهِ نشأت معظم أنواع هذا الكوكب بين ليلة وضحاها، واليوم نحنُ نشهد الانفجار الكمبري للتكنولوجيا، وانتهى العرض بكلمة للعالم المستقبلي (إدموند كيرش) وهو يخبر العالم أجمعه أنهُ لا يملك متبقي من العمر سوى ثلاثة أسابيع فهو مصاب بمرض السرطان في البنكرياس ومافعلهُ وما تصورهُ لن يشهده يوماً لكنه فعل هذا لأجل الحياة، وودع الجميع بكلمة أربكت المشاهدين خصوصاً وأنهُ ملحد (يرعاكم الله) وانتهى العرض.
وما شد نظري هو ذكاء الكاتب حيث جعل القاتل وممول القاتل أقرب شخص للضحية وما فعل الجريمة وتسبب بها إلا لأنه يريد لهُ الحب والخير وهذا أتركه لكَ أيها القارئ لتنصدم مثلي تماماً