من السيء في مجتمعاتنا أن الكثير يميلون إلى إتّباع الأغلبية والتواطؤ معهم دون وعي أو دراية بماهية هذا الإتّباع والتسليم، وكأن مبدأ (حشر مع الناس عيد) هو المبدأ الأساسي المسيطر على المجتمع، في حين لا نجد إلا القلائل ممن يستقلون بكياناتهم ومبادئهم ويتخذون قراراتهم بثقة ومسؤولية فردية!
وفي جانب آخر نجد الانتماءات والتبعية تأخذ مأخذاً كبيراً من المجتمع أيضاً، ولعل انتماء المرء لجماعة معيّنة، وفخره بها ودفاعه المستميت عنها وعن أهدافها ومبادئها، ليس جرم أو خطيئة بحد ذاته، وإنما الجرم والخطيئة في أن يعميه الانتماء العاطفي عن رؤية أخطاء هذه الجماعة وهفواتها، وأن يوهم نفسه بكمالها وتفردها، فيكون بذلك سبباً في غياب النقد الذاتي والضمير الجمعي لهذه الجماعة، فيكتشف في لحظة ما أنه مصاباً بلعنة لا يمكن الخلاص منها!
هناك قاعدة كلية في علم الاجتماع تقول: (إن قوة درجة روح التقليد تتناسب عكساً مع قوة العقل والإرادة)، وفيها إشارة إلى أهمية الاعتماد على الذات واستثمار القدرات الفردية بأقصى درجاتها، ولا بأس بطلب مساعدة الأخرين والاستعانة بهم عند الحاجة، لكن بوعي وإرادة تامة وليس تهميشاً للنفس وإلحاقها بالغير تبعية وخضوع مطلق، وأما أن نهمل حس التخطيط والتفكر ونرمي بأعباء ذلك على غيرنا فلا يطلق على هذا سوى تقليد أعمى يعرض المرء للسفاهة والسذاجة، ويعطل العديد من وظائف عقله، وأهمها وإدارة النفس والطاقة الكامنة.. وهنا تتولد مشكلة كبرى هي عدم المقدرة والاستطاعة على تمييز الخطأ من الصواب للشخص المُتّٓبٓع الذي يصبح بمثابة العقل الأعلى لأتباعه، مع احتمالية عدم كفاءته لهذه المنزلة والشأنية، ولأن الأمثال تضرب ولا تقاس، قيل: (لو كان هناك حمار مربوط بحبل نهايته على رأس فأر صغير فكلما تحرك الفأر الصغير تبعه الحمار مع الفارق الكبير في الحجم والوزن).
فعندما تكون تابعاً ” ولو فكراً “لجهة ما سيؤثر انتمائك على المجتمع بالسلب أو الإيجاب، وإن العقل يحتم أن تكون واعياً للجهة التي تتبع لها، وحاضراً في تطويرها وتحقيق الوعي الجماعي لها، بل وحيادياً في نقدها ومحاربتها ما إذا خرجت عن جادة الصواب والصلاح، وإلا ستكون شريكاً في فساد المفسدين، وجزء مما يؤخر هذا المجتمع ويطعنه، ومنشاراً من التي تأكل حقوق الفقراء ذهاباً وإياباً!