خاض الناخبون اليوم السبت ، 2 / تشرين الأول / 2021 ، في دولة قطر، الدولة الصغيرة والثرية في الخليج، أول انتخابات لمجلس الشورى، في عملية اقتراع جزئية لاختيار 30 عضوا من أعضاء المجلس الـ45، وذلك بعد مرور 17 عاماً على دخول أول دستور دائم للامارة حيز التنفيذ.
وتأتي هذه الانتخابات للمجلس المحدود الصلاحيات، قبل شهور قليلة من انطلاق مونديال كأس العالم لكرة القدم الذي يستقطب الأنظار الى قطر باعتبارها الدولة المضيفة وتخضع للكثير من التدقيق والمتابعة لطبيعة حياتها ونشاطها وانظمة مجتمعها الصغير، ولهذا فان مشاهد تدفق الناخبين على صناديق الاقتراع منذ صباح السبت، حتى أول المساء، ستترك انطباعا ايجابيا حول العالم حول هذه الدولة الخليجية، رغم الملاحظات الكثيرة التي أثيرت حول هذا المسار الديمقراطي.
وتلفت الانتخابات القطرية الانظار ايضا الى عملية التحول الديمقراطي والحريات عموما بين دول مجلس التعاون الخليجي، لكن لا تزال الكويت هي الأكثر انفتاحا في خيارها الديمقراطي حيث أن برلمانها المنتخب ساهم مرات عديدة في محاسبة حكومات متعاقبة بل وتسبب احيانا كثيرة في اسقاطها او اجبارها على الاستقالة، رغم أن أمير البلاد له اليد الطولى في إدارة شؤون الدولة.
وفي قطر أيضا؛ فأن مشاهد تدفق الناخبين على مراكز الاقتراع في مختلف أنحاء الامارة، لن يؤدي الى تغيير في ميزان القوى في قطر، حيث ان الامير سيعين 15 من أعضاء مجلس الشورى الجديد، كما ستظل له الكلمة الفصل في التحكم في شؤون الإمارة وتوجيهها وفق رؤية عائلة آل ثاني الحاكمة.
لكن مجلس الشورى الجديد سيتمتع بصلاحيات تشريعية محددة وسيكون من بين أدواره المصادقة على السياسات العامة للدولة والميزانية الضخمة للدولة التي تستغلها في توسيع نفوذها الإقليمي والدولي، ولعبت مثلا دورا كبيرا في مساعدة الأمريكيين في عمليات الاجلاء الضخمة التي كانت تقوم بها في أفغانستان لعشرات الاف الاشخاص، خاصة بعد السيطرة السريعة لحركة طالبان على البلاد بما في ذلك مطار العاصمة كابول.
ويأخذ بعض المراقبين على انتخابات قطر انها لم تفتح بابا واسعا لانخراط المرأة في العملية الانتخابية، حيث أنه من بين 234 مرشحا في الانتخابات، لا يوجد سوى 26 سيدة يخضن معركة يائسة في مجتمع محافظ بشكل عام، وقد لا يتمكنَّ من اختراق القيود المجتمعية القائمة.
وبحسب الإحصاءات، فهناك نحو 2.5 مليون نسمة في قطر، نحو 90% منهم من الأجانب الذين لا علاقة لهم لا بالتصويت ولا بالانتخاب، وبالتالي فان الشريحة القطرية هي حوالي 300 ألف نسمة فقط.
وكتب “معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى” تقريرا حول انتخابات قطر قال فيه؛ ان “الواقع غير المعلن هو أن أهم السياسات في قطر ودول عربية أخرى في الخليج هي سياسة العائلة الحاكمة، وأنه برغم أن انتقال السلطة من (الامير الاب) حمد إلى (نجله الامير) تميم في العام 2013، كان الأكثر سلاسة في تاريخ البلاد الحديث، إلّا أن بعض أقاربه ما زالوا يعتقدون أن لديهم أحقية أكبر في العرش”.
وتابع “معهد واشنطن” في تقريره الذي ترجمته وكالات محلية ؛ انه “في الوقت نفسه، وفي ظل نمو الاقتصاد القطري وتنامي مجتمعها، من الطبيعي أن يرغب مواطنوها بأن تكون لهم كلمة في هذه الدولة الغنية بالغاز، إن لم تكن مشاركة في الخطوات المتخذة”.
أما وكالة “فرانس برس” الفرنسية، فقد نقلت عن الأستاذ المساعد في سياسة الخليج في جامعة قطر لوسيانو زاكارا قوله إن إجراء الانتخابات قبل كأس العالم “سيجذب انتباها ايجابيا كطريقة لإظهار أنهم يقومون باتخاذ خطوات إيجابية.. وانهم يسيرون في الاتجاه الصحيح.. لتحقيق المزيد من المشاركة السياسية”.
أما وكالة “رويترز” فقد نقلت عن مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة ولاية جورجيا ألين فرومهيرز قوله إن الانتخابات تشير إلى أن عائلة آل ثاني الحاكمة في قطر “لا تأخذ فحسب على محمل الجد فكرة المشاركة الرمزية للسلطة، لكنها تتقاسم أيضا بشكل فعلي السلطة مؤسسيا مع الجماعات القبلية القطرية الأخرى”.
وبرغم هذه العملية الانتخابية، فان صناديق الاقتراع لن تفتح الباب أمام تشكيل حكومة جديدة، كما أن الأحزاب السياسية ما زالت غير متاحة قانونيا في النظام السياسي لهذه الدولة.
وبحسب القوانين التنظيمية لهذه الانتخابات الاولى، فان من شروط خوضها ان يتنافس المرشح في دائرة انتخابية مرتبطة بمكان إقامة عائلته أو قبيلتهم في الثلاثينات من القرن الماضي، عندما كانت قطر تخضع للاحتلال البريطاني.
ويقول منتقدون إن هذا الشرط أتاح استبعاد معارضين محتملين للنظام القطري، واستبعاد شخصيات مرشحة حصلت على الجنسية فيما بعد العام 1930، وهم كثر. وتنطبق هذه الشروط أيضا على الناخبين. واشارت تقارير الى ان من تم استبعادهم بالتالي أفراد عشيرة آل مرة. وقالت منظمة “هيومان رايتس ووتش” أن هذه القيود استبعدت “آلاف القطريين”. وقد جرت تظاهرات صغيرة في قطر ضد هذا القانون في شهر أغسطس/آب الماضي، قادها ناشطون من عشيرة آل مرة، وقامت الشرطة باعتقال عدد من المشاركين فيها.
يذكر أن قطر شهدت أول انتخابات مباشرة في العام 1999، وذلك لاختيار أعضاء المجالس البلدية.