بعد عودة حركة طالبان إلى السلطة منتصف أغسطس الماضي، يحاول الفنانون والمخرجون الأفغان إخفاء أو حماية أو حتى تدمير الكتب واللوحات وغيرها من الأعمال الفنية التي أنجزوها على مدار العقدين الماضيين، بحسب تقرير لصحيفة “واشنطن بوست”.
وعندما حكمت طالبان أفغانستان منذ 20 عاما، حظرت الحركة الموسيقى والصور البشرية، وأزالت تمثالين لبوذا يبلغان من العمر 1500 عام، ما شكل صدمة للعالم حينها.
وعلى مر التاريخ، أجبر الصراع والاضطرابات السياسية في دول النزاعات والحروب الطبقة الفنية والفكرية على إخفاء الإبداعات الثقافية من أجل الحفاظ على التراث نفسه، وضمان عدم تأثره.
وفيما يلي بعض الأماكن التي استهدف فيها الفن والثقافة في العقود الماضية.
العراق
بعد حرب الخليج العربي عام 1991، امتلأت سوق الفن في أوروبا بالكنوز التي نهبت من المتاحف العراقية من قبل المعارضين للحكم حينها. وعندما استعدت الولايات المتحدة لدخول العراق عام 2003، تحرك الموظفون في المتحف الوطني في بغداد لحماية بعض أهم القطع الأثرية، بحسب التقرير.
وقالت كورين فيجنر، مديرة مبادرة الإنقاذ الثقافي في معهد سميثسونيان، إن العاملين بالمتحف العراقي سارعوا إلى وضع الآثار في مخازن سرية، وسدوا الأبواب وبطنوها بأكياس الرمل، حرصا منهم على عدم فقدانها وسط فوضى الحرب.
وأضافت فيجنر: “كما هو الحال في أي كارثة كبرى أو عدم استقرار سياسي، يمكن أن تتحول الأمور بسرعة كبيرة من آمنة إلى غير آمنة، وذلك لاعتقاد بعض الأشخاص أنهم يمكنهم الإفلات من العقاب”.
وبالرغم من حماية بعض القطع الأثرية في العراق، إلا أن اللصوص استطاعوا سرقة بعض من أهم القطع والتماثيل في البلاد، مثل قناع الوركاء، التي يعود تاريخه إلى 3100 قبل الميلاد.
ونظم معهد سميثسونيان لسنوات طويلة مجموعة من التدريبات حول التخطيط لحالات الطوارئ وعمليات إجلاء أو التخزين الآمن للفنون والتحف في أوقات النزاع البشري أو الكوارث الطبيعية، وهو ما أنقذ جزءا كبيرا من القطع الأثرية أثناء سيطرة داعش على الموصل.
وقالت فيجنر: “ما تمكنت داعش من تدميره عمدا في متحف الموصل الثقافي كان مأساويا، لكن كان يمكن أن يكون أسوأ بكثير إذا لم نقم بتخبئة وتخزين القطع الأثرية قبل سيطرة التنظيم على جزء من شمال العراق عام 2014.”
كمبوديا
استولى حزب الخمير الحمر في كمبوديا على السلطة عام 1975 واستهدف بشكل منهجي الفنانين والمفكرين والموسيقيين كجزء من حملة وحشية لإعادة تشكيل البلاد كمجتمع زراعي لا طبقي.
ونجا بعض الأشخاص الذين استهدفتهم الإبادة الجماعية، الرسامين والكتاب وفناني الأداء وغيرهم، من خلال التظاهر بأنهم سائقي سيارات أجرة أو إخفاء أدلة على حرفهم اليدوية.
وحتى مع فرار اللاجئين الكمبوديين بين عامي 1975 و 1979، كان بعض الناس يجمعون الأطفال في المخيمات لتعليمهم الموسيقى والرقص التقليدي.
وقال فليون بريم، المدير التنفيذي لمؤسسة الفنون الحية الكمبودية : “كنا نضطر على ترك البلاد، ولكن كان علينا الحفاظ على هويتنا الثقافية”.
مالي: 2012
كانت مدينة تمبكتو المالية لفترة طويلة موطنًا للمكتبات المليئة بالمخطوطات القديمة – مجموعات الأعمال العلمية والشعر والرسائل ونسخ القرآن.
عندما استولى المتمردون الإسلاميون على المدينة عام 2012، بدأوا في حرق المكتبات بنصوص اعتبروها “وثنية”، لكن عملية ممنهجة لإخلاء المخطوطات الثمينة وحمايتها كانت جارية بالفعل.
نقلت مجموعات من أمناء المكتبات وجامعي الكتب والعائلات المحلية النصوص في صناديق معدنية إلى منازل خاصة وأماكن آمنة أخرى حول تمبكتو باستخدام السيارات والعربات والزوارق وحتى صناديق الفاكهة. ولقد أنقذوا تراث مدينتهم قطعة قطعة، ونقلوه أولا في المركبات ثم بعد ذلك بالقارب.
إيران: 1979
في إيران، تعرض إحدى المجموعات القيمة في العالم للفن الحديث في أعماق الأرض، ويمكن الوصول إليها عبر درج طويل.
خلال ثورة 1979، أخذ المتحف مجموعته الأثرية المكونة من 1500 قطعة ووضعها في قبو سفلي. وكان هناك أبواب مزدوجة: باب ثقيل ثم باب فولاذي آخر مقاس 6 بوصات بقفل مشترك، وذلك لضمان عدم دخول أحد وسرقة الثروة الفنية.
مبادرات فردية في أفغانستان
وبالعودة إلى طالبان وسيطرتها على البلاد، فهي لم تعلن بعد أشكال الفن والثقافة التي ستسمح بها، في وقت يستمر الفنانون بحماية الأعمال الفنية عبر مبادرات فردية.
وقال فنان أفغاني، في تقرير سابق لصحيفة “واشنطن بوست”، إنه دفن 15 لوحة فنية، كلها أعمال حديثة تصور النساء، في مجمع بعد ثلاثة أيام من دخول طالبان العاصمة.
وكانت المخرجة صحراء كريمي تحمل نفس الخوف. فقبل أن تفر من البلاد، أخفت أقراصا صلبة تحتوي على أكثر من 20 فيلمًا في مكان سري.
كما أخفى بائع كتب كبير في السن كل الكتب التي يمنعها الحكم الجديد، من بينها نسخا من الأنجيل المترجمة إلى اللغتين الدرية والبشتوية. وقال: “إذا وجد مقاتلو طالبان هذه الكتب فسوف يعاقبونني”.
تذكر بائع الكتب المسن المرة الأخيرة التي واجه فيها طالبان قبل 25 عاما، وقال وضعت كتابا عن غير قصد فوق القرآن، حيث اكتشفه أحد أفراد شرطة الأخلاق الدينية التابعة لحركة طالبان وأمر بضربه عدة جلدات.
على مدار الـ20 سنة الماضية، ازدهرت الفنون والأفلام والموسيقى مما ساعد على تحويل كابل إلى عاصمة عالمية. فقد تأثر جيل جديد من الفنانين بالتقاليد والتاريخ الأفغاني بالإضافة إلى المواضيع الحديثة مثل الحرب والموسيقى الغربية وحقوق المرأة.
على الرغم من أن بعض الفنانين يخاطرون بشدة لحماية إبداعاتهم، إلا أن الكثير منهم فر من البلاد، أما الباقي يمارسون الرقابة الذاتية لتجنب غضب طالبان. فقد دمر بعض الفنانين لوحاتهم أو منحوتاتهم.
وأغلقت المتاجر التي تبيع الآلات الموسيقية وكذلك العديد من المعارض الفنية، كما توقفت فرق الزفاف والمغنون عن العمل حيث ألغت العديد من قاعات الأفراح حفلات الموسيقى.