-الدكتور فادي عبد الساتر، أستاذ باحث في العلوم البيولوجية في كلية العلوم في الجامعة اللبنانية
–الدكتور نادر حسين، أستاذ باحث في العلوم الجزيئية في كلية العلوم في الجامعة اللبنانية
خلال أواخر العام 2020، ظهرت متحورات كورونا وشكلت خطراً متزايداً على الصحة العامة العالمية مما استدعى من منظمة الصحة العالمية توصيف بعضها “مثيراً للقلق (Variant Of Concern, VOC)، وأعطتها أولوية المتابعة والبحث للحد من انتشارها عالمياً.
المتحورات المثيرة للقلق قد تؤثر في خصائص الفيروس من حيث:
– سهولة وسرعة انتشاره
– شدة الأعراض المصاحبة للإصابة
– التهرب من الجهاز المناعي، والتفلّت من الحماية التي تؤمنها اللقاحات المتوفرة.
منذ اكتشاف المتحور الجديد في جنوب أفريقيا، والقلق والترقب مسيطران على العالم. حيث سارعت بعض الدول الى وقف الملاحة الجوية مع جنوب أفريقيا والدول المجاورة لها كإجراءات احترازية لمنع انتقال المتحور الجديد اليها.
كما صنفت منظمة الصحة العالمية، المتحور الجديد بال#مثير للقلق وأطلقت عليه تسمية (Omicron) وهو يعرف أيضاً بـ .B1.1.529.
هناك الكثير من التكهنات ولكن القليل من المعطيات والبيانات العلمية المتوافرة حالياً. ووفقاً للمعهد الوطني للأمراض المعدية في جنوب أفريقيا (NICD) فإن “عدد الحالات المكتشفة والنسب المئوية للاختبارات الإيجابية تتزايد بسرعة مقلقة”، بخاصة في مقاطعة غوتنغ الأكثر اكتظاظاً بالسكان، والتي تشمل بريتوريا وجوهانسبورغ حيث وصلت نسبة الحالات الإيجابية المسجلة هناك والتي تعود الى المتحور “أوميكرون” الى ما يقارب 90 في المئة.
لماذا يعتبر المتحور الجديد خطيراً؟
فاجأ المتحور الجديد بطفراته “غير العادية” توقعات العلماء حيث حقق قفزة كبيرة في التطور الطبيعي للفيروسات من حيث مراكمة عدد الطفرات ونوعيتها. ومن المرجح أن يكون هذا المتحور قد تطور خلال عدوى مزمنة داخل جسم إنسان مريض يعاني من ضعف المناعة، حيث يتكاثر الفيروس داخله ويراكم الطفرات في تركيبته الجينية، ويكتسب خصائص جديدة، يمكن أن تعزز كفاءته.
يوجد في جنوب أفريقيا ما يقارب 8 ملايين شخص مصاب بفيروس نقص المناعة البشرية. قد يكون متحور “بيتا” أيضاً، الذي تم تحديده العام الماضي في جنوب أفريقيا، ناتجاً من عدوى مزمنة لشخص مصاب بفيروس نقص المناعة (HIV).
من المؤكد أن المتحور “أوميكرون” ليس امتداداً للمتحورات السابقة ومنها المتحور “دلتا” المسيطر حالياً في معظم دول العالم.
يحتوي “أوميكرون” على قائمة طويلة من الطفرات التي وصفها أحد العلماء بأنها “مروعة” لكثرة عددها ونوعها. بعض من هذه الطفرات قد وجد سابقاً في متحورات أخرى من فيروس كورونا ذات الاهتمام (Variant of Interest, VOI) أو المثيرة للقلق (VOC) والبعض الآخر يعتبر جديداً. من المثير للاهتمام والقلق وجود 32 طفرة في #البروتين الشوكي وحده مقارنة بـ 9 طفرات لدى المتحور “دلتا“.
هذه المعطيات التي اعتبرت خطيرة ومقلقة تلقفتها الجهات الصحية ومنظمة الصحة العالمية بذعرٍ شديد، وخصوصاً أن اللقاحات المستخدمة كانت قد فقدت حوالي 60 في المئة من قدرتها على منع الإصابة بالمتحور “دلتا”. وتتمثل الأولوية القصوى الآن في متابعة المتحور عن كثب لفهم خصائصه.
ما هي أهم هذه الطفرات المعلن عنها في البروتين الشوكي للمتحور الجديد؟
– هناك تسع طفرات في المتحور “أوميكرون” رأيناها في المتغيرات السابقة المثيرة للقلق (VOC).
– طفرات جديدة تشير إلى أنها تشكل تهديداً بسبب موقعها في تركيبة الفيروس.
– طفرة مشتركة، موجودة في جميع المتغيرات التي ظهرت منذ أوائل العام 2020.
– عشر طفرات موجودة في “نطاق ارتباط المستقبل” وهو الجزء الذي يرتبط بالمستقبل (hACE2) ويعرف اختصاراً بـ(ـReceptor Binding Domain, RBD) وهذه الطفرات قد تؤدي الى زيادة انجذاب الفيروس والتحامه بالمستقبل في الخلايا البشرية وبالتالي زيادة العدوى.
وجود هذه الطفرات مجتمعة لا يعني بالضرورة أن يكون الأمر سيئاً أو مرتبطاً بسرعة الانتشار، وهذا ما شاهدناه مع المتحور “بيتا”. إن معرفة أهمية هذه الطفرات وخصوصيتها سوف يستغرق أسابيع عديدة.
هل تؤدي الإصابة بالمتحور “أوميكرون” إلى ظهور أعراض مشابهة لأعراض المتحورات الأخرى؟
لم يتم الإبلاغ حالياً عن أي أعراض غير اعتيادية بعد الإصابة بالمتحور “أوميكرون” وكما هو الحال مع المتحورات الأخرى، فإن بعض الأفراد لا يعانون من ظهور أعراض. ولكننا لا نزال في بداية ظهور هذا المتحور الجديد ولا بد من انتظار البيانات الكاملة والمراقبة عن كثب.
هل ستؤثر هذه الطفرات في اكتشافه عبر تقنية الـ(PCR)؟
تؤكد المعطيات العلمية الواردة من المختبرات في جنوب أفريقيا عدم تأثر حساسية اختبار الـ(PCR) على الكشف المخبري للمتحور الجديد، لذلك من غير المحتمل أن لا يتم الكشف عن الحالات الإيجابية من طريق تقنية الـ(PCR) بشكل عام. ولكن لا بد من التنبه إذا كانت كافة الكواشف المستعملة لم تتأثر بوجود الطفرات.
هل يمكن تتبع المتحور الجديد بطريقة سريعة من دون اللجوء الى فك الشيفرة الوراثية للفيروس؟
يحتوي المتحور “أوميكرون” على الطفرة المشتركة مع المتحور البريطاني “ألفا” (△ 69-70) والموجودة في البروتين الشوكي مما سمح بالتعرف السريع على المتحور الجديد في جنوب أفريقيا. وسيمكننا هذا من الترصد المستمر له بغض النظر عن بيانات التسلسل الجيني. هذه التقنية كنا قد اتبعناها وطورناها سابقاً في مختبر الكورونا في الجامعة اللبنانية ومستشفيي “الرسول الأعظم” و”بهمن” عند اكتشافنا لدخول المتحور البريطاني “ألفا” الى لبنان في شهر كانون الأول (ديسمبر) من العام 2020.
وكذلك طور الباحثون في الجامعة اللبنانية التقنية ذاتها عند ترصدهم لمتحورات “بيتا” و”غاما” وكذلك المتحور “دلتا” الذي تتم متابعته منذ شهر أيار (مايو). وقد امتلك مختبر الكورونا في الجامعة اللبنانية أخيراً تقنية فك الشيفرة الوراثية مما سيتيح له امكانية اكتشاف متحورات جديدة غير مكتشفة مسبقاً اضافة الى متابعة تطور المتحورات السائدة.
هل ستؤثر هذه الطفرات في فعالية اللقاح، والقابلية للانتقال؟
المعطيات العلمية لم تتبلور حتى الآن وهي قيد التحقق ومن المبكر معرفة مدى فعالية اللقاحات المستخدمة ضد المتحور الجديد لفيروس كورونا. من المحتمل أن تكون لهذا المتحور قدرة أكبر على تفادي الاستجابة المناعية الناتجة من كل من العدوى السابقة أو التلقيح وذلك بناءً على عدد الطفرات الموجودة فيه ونوعيتها.
وبدأ العمل فعلياً للنظر في إمكانية التهرب او التفلت المناعي للمتحور الجديد ورصد النتائج المرتبطة به كما صرح المتحدث باسم شركة “فايزر-بيونتيك”. وإذا اتضح بعد التجارب المعملية أن اللقاحات المستخدمة لم تعد فعالة بشكلٍ كافٍ ضد المتحور الجديد، فسيتعين عندها على الشركات المصنعة تكييف اللقاحات المُنتجة على المتحور الجديد وتسليمها في وقت قياسي وهذا صعب المنال.
من الطبيعي أن تستمر المتحورات الجديدة في الظهور في ظل البطء والتلكؤ الشديدين في حملات التلقيح في العديد من الدول (نسبة التلقيح في جنوب أفريقيا لا تتعدى الـ24 في المئة) وفي ظل جشع الدول الغنية في عدم توزيعها العادل للقاحات على كل البلدان وبخاصة الفقيرة منها والتي لا قدرة لها على تلقيح شعوبها.
أمام هذه الصورة القاتمة يظل اللقاح هو الحل الوحيد للحد من انتشار الفيروس، إلى جانب الجرعة المعززة في حال مرور 6 شهور على تاريخ أخذ الجرعة الثانية، وذلك لحماية المعرضين للخطر ممن يعانون من أمراض مزمنة خطيرة، ولتقليل الضغط على النظام الصحي، وإبطاء انتقال العدوى جنباً إلى جنب مع اتباع إجراءات الوقاية والتباعد الاجتماعي حتى بعد أخذ اللقاح وبخاصة في الأماكن المشتركة (المدارس والجامعات).
ولا بد من التذكير هنا أن اللقاح يحمي من الأعراض الخطيرة للإصابة ويقلل من نسبة الوفيات ودخول المستشفى، ويجب عدم استهتار الملقحين بإجراءات الوقاية لأنهم معرضون للإصابة من جديد، ومن الممكن أن يكونوا سبباً في نشر الفيروس في محيطهم وتعريض المحيطين بهم للخطر. وهنا نأخذ على سبيل المثال الإصابات المرتفعة جداً للملقحين في بعض المناطق في أوروبا حيث قاربت نسبة الملقحين الـ70 والـ80 في المئة. ويعود السبب في ذلك لعدم تَقَيُّد هؤلاء بالوقاية التامة.
هل وصل المتحور الجديد الى لبنان؟
تم الإبلاغ عن حالات في عدد من الدول. ومن اللافت، أن الإصابة البلجيكية تعود لشخص غير ملقح ظهرت عليه أعراض الإصابة بعد 11 يوماً من سفره إلى مصر عبر تركيا وليس لديه أية صلة بجنوب أفريقيا. هذا يعني أن الفيروس قد انتشر بالفعل خارج ذلك البلد مع احتمال وجوده أيضاً قبل ذلك التاريخ المعلن. ومن المتوقع أن تعلن الدول تباعاً عن تسجيل إصابات لديها بالمتحور الجديد.
وليس مستبعداً أن يكون المتحور الجديد قد حل ضيفاً ثقيلاً على لبنان كما حصل مع المتحورات السابقة. وقد باشر مختبر الجامعة اللبنانية الذي يضم خيرة الباحثين بترصد المتحور الجديد عبر متابعة كل الحالات الإيجابية الوافدة من الخارج (المعابر البرية والجوية) لشهري تشرين الأول (أكتوبر) وتشرين الثاني (نوفمبر). وفي الوقت ذاته سوف يتم ترصد هذا المتحور في الحالات الإيجابية المحلية.
عاد القلق من فيروس كورونا ليحتل العالم ومنه لبنان، حيث تسجل موجة ارتفاع في الإصابات في ظل التخبط لدى المعنيين. تذكرنا هذه الموجة بمرحلة انتشار المتحور البريطاني في بداية السنة الحالية. ورغم الأهمية القصوى لمهمة الترصد الوبائي التي يقوم بها مختبر الكورونا في الجامعة اللبنانية وفريقه المتخصص، وخصوصاً أن المتحور الجديد يمكن أن ينتقل عبر الملقحين وغير الملقحين الى المجتمع اللبناني، يبقى العمل مطلوباً على المستوى الوطني ولا بد من الاستنفار الصحي والضميري عند الجميع لحماية مجتمعنا المدمر صحياً، ولا بد لنا من استخلاص الدروس والعبر من تلك التجربة وعدم المكابرة في اتخاذ اجراءات جريئة تحافظ على الأمن الصحي والاجتماعي للبنانيين.