شهد العالم قبل أيام الذكرى السنوية الأولى للعدوان الصهيوني على مدينة غزة الفلسطينية، ذلك الهجوم الذي تسبب بمقتل أكثر من 42 ألف فلسطينيًا، إلى جانب أكثر من 97 ألف جريح، وإلى اليوم الحرب على قطاع غزة مستمرة وأعداد القتلى والجرحى تتزايد أمام أنظار الأمم المتحدة والدول التي طالما صدعوا رؤوسنا بعبارات التعايش السلمي وخطابات التنديد والاستنكار.
منذ الحروب العربية – الإسرائيلية التي اندلعت في سنوات متفرقة من القرن الماضي وإلى ما قبل حرب أكتوبر، الكيان الصهيوني يواصل التضييق على الفلسطينيين، إذ يقوم باعتقال وقتل كل من يقف أمامه حتى إذا لم يفعل أي شيء، وتلك التصرفات أدت إلى إطلاق الشرارة الأولى لحرب أكتوبر، إذ قامت حركة حماس في السابع من أكتوبر من عام 2023م، بإطلاق طوفانها الذي شمل أكثر من 5000 صاروخ باتجاه سماء إسرائيل وفي غضون 20 دقيقة فقط، فضلا عن إعلان بعض المصادر الإسرائيلية عن إطلاق نحو 3000 قذيفة من قطاع غزة، وتلك الهجمات أدت إلى إرباك الدفاعات الجوية الصهيونية ولعل أبرزها القبة الحديدية المتصدأة، التي راهن عليها الكيان لسنوات طويلة.
وتعد القبة الحديدية من منظومات الدفاع الجوي المتنقلة والتي تعتمد على ثلاثة مكونات رئيسة، الأول أجهزة رادار يتراوح نطاقها بين 4-70 كيلومترا، ودورها يتلخص في كشف التهديد وتحديد مدى خطره ثم تتبعه، والثاني مركز التحكم الذي يحدد الطريقة الأمثل للتعامل مع التهديد، إذ يقترح كيفية إطلاق الصواريخ الاعتراضية وعددها، ويتلقى مركز التحكم تحديثا مستمرا للبيانات من أجهزة الرادار، فيما المكوّن الثالث هو الصاروخ الاعتراضي المزود بخاصية استشعار حرارية توفر له القدرة على المناورة والإمداد بالبيانات المستجدة خلال رحلته، ووظيفة الصاروخ الانفجار بالقرب من الصاروخ القادم بدلا من ضربه مباشرة.
وتلك المنظومة الدفاعية المتطورة واجهت الكثير من الاستفهامات والتساؤلات بعد هجوم طوفان الأقصى والذي يعد من الاختبارات الصعبة التي واجهتها تلك المنظومة، وذلك لأسباب متعددة منها آلاف الصواريخ التي أطلقتها المقاومة على إسرائيل التي تمتلك أقل من ألف صاروخ اعتراضي، وبافتراض أن القبة الحديدية تعمل بأقصى كفاءة فإن ذلك لن يمنع أن تتجاوزها العديد من صواريخ المقاومة، وذلك لأن عدد الصواريخ المنطلقة أكبر من قدرة اعتراض المنظومة.
والسبب الثاني هو التكلفة العالية للصاروخ الاعتراضي، إذ يكلف صاروخ المقاومة نحو 600 دولار فقط، مما يعني أن اعتراض 5000 صاروخ للمقاومة سوف يكلف إسرائيل نحو 300 مليون دولار، فيما أن تكلفتها بالنسبة للمقاومة لن تتجاوز ثلاثة ملايين، وهذا ما أكده أستاذ علوم هندسة الطيران والفضاء في جامعة كولورادو الأميركية إيان بويد حين قال، أن “هجمات المقاومة الفلسطينية تُظهر بوضوح أن أفضل أنظمة الدفاع الجوي يمكن التغلب عليها”.
وانتقدت الخبيرة الإسرائيلية في القانون والتكنلوجيا تهيلا ألتشولر، الاعتماد الإسرائيلي المفرط على التكنولوجيا واصفة ذلك بـ “علاقة الحب الكارثية”، وهذا ما يؤكد فشل التقنيات الإسرائيلية المتطورة أمام عزيمة المقاومة.
وأشارت ألتشولر إلى، أن “الجيش الإسرائيلي خضع للتكنولوجيا مما أدى إلى إضعاف الحدس والقدرات البشرية والانفصال بين الجنود وساحة المعركة، وهذا أعطى شعورا وهميا بالتفوق، وتلك العوامل تسببت في حدث 7 أكتوبر من عام 2023م.
كل تلك المعطيات تجعلنا نتيقن أن الهجمات التي تعرضت لها إسرائيل لم تمر مرور الكرام وإنما خلطت الأوراق عليها وتسببت بفضح الكثير من التقنيات الدفاعية التي فشلت بالعديد من الهجمات التي شنت عليها سواء من حركة حماس أو حزب الله، إلى جانب الفصائل العراقية التي دخلت على الخط في الفترة الأخيرة وبدأت بإرسال المسيرات التي زعزعت النظام الدفاعي للكيان.