احمد الدعمي – كربلاء
يظهر الكيان الصهيوني طيلة سبعين عامًا من وجوده أنه يسير بين خطين متناقضين تمامًا، فهو ينتهج خطابًا يدعم السلام مع محيطه الإقليمي، ويدعو إلى اتفاقيات ومعاهدات سلام وشراكات اقتصادية ومشاريع تنموية مشتركة. ولكن على أرض الواقع، يكشف هذا الكيان الغاصب عن وجهه الحقيقي، ذو الرؤية التوسعية، بكل ما تحمله هذه السمة من مشاعر الخوف والقلق. إذ يتورط في سفك الدماء، وانتهاك حقوق الإنسان، وتبني شتى أعمال العنف ضد الإنسانية.
في هذا التقرير، سنستعرض التناقض الحاد بين الأيديولوجيات المثالية والسياسات الواقعية، محاولين فهم كيف يمكن لخطاب السلام أن يتعايش مع واقع الدماء، وما تداعيات ذلك على الأجيال الحالية والمستقبلية.
تبني خطاب السلام الزائف
يتبنى الصهاينة هذا النوع من الخطاب في محاولة للظهور بمظهر النظام المثالي للإنسانية، بهدف التأثير في الرأي العام العالمي، ومحاولة الحصول على تقبُّل العالم للشخصية الصهيونية، التي عُرفت بالتوحش والهمجية ورغبتها بالتوسع على حساب الآخرين وحقوقهم.
يتضح هذا جليًا في كتاب “الشرق الأوسط الجديد” لشمعون بيريز، الشخصية العسكرية والسياسية المخضرمة، حيث كانت فكرته الجوهرية: “نحن كيهود في أرض فلسطين نوافق على التخلي عن منهج القوة والحرب والقتل، مقابل أن يمنحنا المحيط الإقليمي الاعتراف الكامل بالوجود، لنبدأ سويًا مرحلة جديدة من العيش المشترك في ظل مشاريع اقتصادية وتنموية تفيد الجميع”.
ولكنه يعود ويُلمح إلى حقيقتهم في نفس الكتاب حيث كتب: “نحن شعب ذو حزم، وما من قوة على وجه البسيطة تستطيع أن تحملنا على مغادرة هذه الأرض بعد خمسين جيلًا من العيش في الشتات؛ خمسين جيلًا من الاضطهاد والعذاب والإبادة. لن نتزحزح عن المكان الوحيد في هذه الدنيا”.
دعوات زائفة إلى السلام عبر منصة الخطابات
استخدم القادة الإسرائيليون، مثل نتنياهو وشمعون بيريز وغيرهم، منصات الأمم المتحدة للدعوة إلى السلام، مطالبين الدول العربية بالانضمام إلى مفاوضات سلام مباشرة، مؤكدين على رغبتهم في التعايش السلمي مع جيرانهم.
وهذه بعض الدعوات والمبادرات التي طرحها الكيان الصهيوني للسلام:
1. دعم مبادرة السلام العربية (2002): نصت المبادرة على انسحاب إسرائيلي كامل من الأراضي المحتلة مقابل تطبيع العلاقات مع الدول العربية. الكيان دعا إلى حوار حول المبادرة لكنه رفض الالتزام بالشروط الأساسية، مثل الانسحاب الكامل من الضفة الغربية والقدس الشرقية.
2. اتفاقيات أوسلو (1993): وُقعت هذه المعاهدة بوساطة أمريكية، وكان من المفترض أن تكون بداية لحل الدولتين، لكنها تعثرت لاحقًا بسبب تصاعد الاستيطان والانقسامات السياسية.
3. مبادرات بنيامين نتنياهو (1996-2021): رغم اتخاذ نتنياهو مواقف متشددة في السياسة، إلا أنه دعا إلى مفاوضات سلام مباشرة مع الفلسطينيين دون شروط مسبقة، مؤكدًا ضرورة الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل كدولة يهودية. كما حاول تحسين العلاقات مع الدول العربية بشكل غير رسمي، داعيًا إلى تعاون إقليمي ضد إيران وغيرها من التهديدات المشتركة.
4. خطاب بار إيلان (2009): في هذا الخطاب، أعلن نتنياهو لأول مرة دعمه لحل الدولتين، لكن بشروط مثل الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية وتفكيك حركة المقاومة الفلسطينية “حماس”. لكن لم تتحول هذه الوعود إلى خطوات عملية جادة بسبب الخلافات حول قضايا أساسية مثل القدس والحدود والمستوطنات.
5. اتفاقيات إبراهيم (2020): نجحت إسرائيل في توقيع اتفاقيات سلام وتطبيع مع دول عربية (الإمارات، البحرين، السودان، والمغرب)، وقدمت هذه الاتفاقيات كجزء من دعواتها للسلام الإقليمي.
الأرض تكشف حقيقة الإرهاب المتستر
تظهر التحركات الصهيونية على الأرض الوجه الحقيقي لهذا الكيان الغاصب المحتل، الذي لا يلتزم بميثاق ولا يفي بعهد، ويريق الدماء دون تمييز بين مدني أو مقاوم، فالإنسان لديه بلا حقوق.
ومن التجاوزات التي قام بها الكيان المجرم ضد قرارات الأمم المتحدة منذ تأسيسه عام 1948، والتي تتعلق غالبًا بالحقوق الفلسطينية، الأراضي المحتلة، والاستيطان، نذكر:
1. قرار 194 (1948): ينص على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم أو الحصول على تعويض. لم تنفذ إسرائيل هذا القرار وظل ملف اللاجئين عالقًا لعقود.
2. قرار 242 (1967): دعا إسرائيل إلى الانسحاب من الأراضي المحتلة بعد حرب 1967، لكنها لم تنسحب بالكامل، بل استمرت في سياسة الاستيطان.
3. قرار 338 (1973): أكد على ضرورة تنفيذ قرار 242 ودعا إلى وقف إطلاق النار بعد حرب 1973، ورغم ذلك لم تتحقق تسوية سلمية شاملة.
4. الاستيطان: أدانت الأمم المتحدة مرارًا بناء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية، ورغم ذلك استمرت إسرائيل في التوسع الاستيطاني.
5. جدار الفصل العنصري: اعتبرت محكمة العدل الدولية بناء الجدار في الضفة الغربية غير قانوني في عام 2004، ومع ذلك، استمر بناء الجدار.
6. الحصار على غزة: فرضت إسرائيل حصارًا على قطاع غزة منذ عام 2007، وهو ما اعتبرته الأمم المتحدة عقابًا جماعيًا غير قانوني يؤثر على حياة المدنيين.
جرائم ضد الشعب الفلسطيني
ارتكب الكيان الصهيوني العديد من الجرائم ضد الشعب الفلسطيني، ومنها:
• التهجير القسري لما يقارب 750,000 فلسطيني.
• تدمير مئات القرى الفلسطينية.
• مجزرة دير ياسين التي قُتل فيها حوالي 250 مدنيًا فلسطينيًا.
• مجزرة كفر قاسم (1956): قُتل فيها 48 فلسطينيًا، بمن فيهم النساء والأطفال.
• حرب لبنان (1982) ومجزرة صبرا وشاتيلا.
• الحروب على غزة (2008-2021) التي أدت إلى مقتل آلاف الفلسطينيين.
التوسع الاستيطاني وتهويد القدس
• بناء المستوطنات غير القانونية في الضفة الغربية والقدس الشرقية.
• تهجير الفلسطينيين من القدس والاعتداءات المتكررة على المسجد الأقصى.
وتستمر هذه الجرائم حتى يومنا هذا في الحرب الغير متكافئة التي تجري حاليا بين الكيان الصهيوني و(محور المقاومة) الذين تترأسه إيران مع حزب الله اللبناني وفصائل مسلحة في العراق والحوثيون في اليمن بالاشتراك مع فصائل المقاومة الفلسطيني لاسيما حماس، منذ السابع من أكتوبر لحساب العام الماضي، والتي راح ضحيتها الآلاف من الابرياء في فلسطين ولبنان.