احمد صلاح – سكوب الاخبارية
بدأ إديسون محاولاته لاختراع المصباح الكهربائي، بعد 22 تجربة لكنّه لم يكن أول شخص حاول اختراع مصباح كهربائي، فقد ادّعى بعض المؤرخين أنّ هناك أكثر من 20 مخترعًا قبل إديسون، واستمرت محاولات اديسون التي وصل عددها إلى أكثر من 99 تجربة فاشلة، لكنه لم يطلق عليها تجارب فاشلة، ولكن تجارب لم تنجح!
اذ قال: “أنا لم أفشل، أنا بكل بساطة وجدت 10000 طريقة لا تعمل.”
في الحقيقة ان ابرز المشكلات التي تواجه الفرد العراقي -على سبيل المثال لا الحصر- سواءً كان عاملاً في القطّاع الحكومي او غير الحكومي هو عدم تحويل محاولات الفشل التي تغمره طيلة مسيرته العملية الى محاولة لتحقيق الهدف غير انه لا يسمع من الآخرين الذين يهدفون لتصحيح اخطاءه المتكررة.
مسيرة الانسان في هذه الحياة تتطلب منه بذل الجهد لتحقيق الأهداف، وهذه القاعدة لا تنطبق على الحياة الشخصية فحسب، انما بمختلف المجالات العلمية والعملية، فضلاً عن ضرورة احترام وإتقان المهمة الموكلة لهذا الأنسان من قبل مرؤوسيه، واقعاً هناك الكثير ممن يتباكون للحصول على وظيفة براتبٍ مجزي يسد فيه إحتياجاته الضرورية والشخصية الا ان الاكثر من هذه الكثير لا يكترث ولا يمتلك ايضاً الولاء الوظيفي الذي ينعكس على تقدم مكان عمله و نجاحه بشكل اكبر.
يذكر المختصون ان الموظف الذي يمتلك ولائاً وظيفياً يكون مخلص في شركته يدعمها بالكامل، اي إنه مستعد لتقديم أفضل ما لديه وكذلك لتحمل المسؤولية، نظرًا لأن الولاء يعني الرضا ، فمن مصلحة الموظف أيضًا ألا يفقد وظيفته في نفس الشركة لسنوات عديدة، الولاء يعني أيضًا أنك تشعر أنك جزء من الشركة وأنك تتعاطف معها.
تؤكد كل هذه النقاط شيئًا واحدًا بوضوح شديد: الموظفون المخلصون هم نعمة لكل شركة وبالتالي هناك طلب كبير عليهم، لكن لماذا لا يزالون أكثر ندرة؟ ألا ينبغي أن يكون من مصلحة الموظف إظهار الولاء وبالتالي تأمين وظيفة طويلة الأجل؟
تشر الدراسات الى الفرق بين الولاء والانتماء الوظيفي يتعمد على عوامل اهمها :
الشعور بالانتماء لا يتطور إلا بمرور الوقت ولا يكون موجودًا منذ البداية، وبالتالي فإن الموظفين الذين يغيرون وظائفهم (عن قصد) بشكل متكرر قد لا تتاح لهم الفرصة حتى لتطوير علاقة مخلصة، بالمقابل ، هل هذا يعني أن الولاء هو نموذج مهني عفا عليه الزمن؟
العلاقة بين نجاح المؤسسة و بين نجاح الموظفين هي علاقة تبادلية لها دعائمها ومرتكزاتها . ولكن يبقى الموظف هو صاحب القيمة الأكبر في معادلة النجاح. إن نجاح أي مؤسسة او شركة تجارية يعتمد على معادلة مهمة وهي إسعاد العاملين. هناك قصة قصيرة يمكنها تفسير هذه المعادلة ؛ افتتح جون عام1824 متجرا لبيع الشاي والقهوة ومشروب الشكولاتة الذي يصنعه بنفسه، على أطراف شارع بول في برمنغهام (انكلترا). حقق المتجر إقبالا جيدا بفضل مشروب الشوكلاته كون عدد كبير من سكان برمنغهام ، وقتئذ، من (الكويكرز)، وهي مجموعة دينية من المسيحيين البروتستانت، تمنع وجود الكحول والحانات، مما جعل هذا المشروب خيارا مناسبا. لكن واجه جون مشكلة كبيرة تتمثل في عدم قدرته على التجاوب مع الإقبال على مشروب الشوكلاتة نظرا لتكلفة الإنتاج الباهظة. أقتع جون شقيقه بنيامين ليشاركه فأصبحت الشركة باسمهما معا في برمنغهام. هذه الشراكة منحت جون دفعة إضافية للتوسع فدشن متجرا في لندن عام1854. استطاع هذا المتجر أن يحقق حلمه للوصول إلى الأسرة المالكة. صار العديد من أبناء الأسرة زبائن لمتجره. ذاع صيت المتجر بسبب إقبال الأسرة المالكة وإشادتها بأصناف الشوكلاتة التي يقدمونها فارتبط اسم الشركة بالمنتجات الفاخرة والنخبة. بعد عقود من النجاح، واجه ابن جون تحديا جديدا يتمثل في تسرب أفضل الموظفين إلى شركات منافسة، وشعر بخطورة الوضع، وأنه لن يستطيع الحفاظ على إرث عائلته المتمثل بهذه الشركة إلا باتحاذ قرار سريع وذكي. لم يجد الابن جورج خيارا لمواجهة هذا التحدي عام1893 سوى بشراء قطعة أرض كبيرة، وبناها على شكل وحدات سكنية مجانا لموظفيه، نظرا لأسعار العقار المرتفع في ذلك الوقت. كانت هذه المبادرة نقطة تحول في الشركة. انعكست هذه الخطوة على معنويات الموظفين وأسرهم وباتت الشركة تحقق النجاحات الواحدة تلو الأخرى داخل وخارج بريطانيا. والأهم من ذلك حافظ جورج على مملكة (كادبوري) من التراجع والتقهقر. ولم يكتف جورج كادبوري بهذه المبادرة بل علق صور الموظفين الأوائل في أرجاء المصنع، وسمى بعض المنتجات الجديدة بأسمائهم فحصد نجاحا استثنائيا، وظل اسم عائلة (كادبوري) مرتبطا بالجودة والجاذبية. كبرت كادبوري واستطاعت أن تحقق أرباحا هائلة ساعدتها على استقطاب المزيد من الموظفين الذي أسهموا في تخفيض تكلفة الإنتاج وزيادة الطاقة الإنتاجية معا. فبدأت كادبوري تدخل البيوت البريطالنية وحدانا وزرافات. وامتد نجاحها إلى جميع أرجاء المعمورة، فمن لم يتذوق كادبوري، قطعا سمع باسمها ومنتجاتها التي ذابت في أفواه الملايين حول العالم. إن نجاح أي مؤسسة او شركة تجارية يعتمد على معادلة مهمة وهي إسعاد العاملين فيها، فمتى ما شعروا أنهم جزء من هذه المنظومة وأن نجاحها سينعكس إيجابا عليهم سيبذلون الغالي والنفيس من أجلها. ومتى ما شعروا أنهم كالآلات لا أحد يكترث بمشاعرهم وجهدهم سيتخلون عن وظيفتهم أمام أي عرض آخر. أتمنى أن يأتي اليوم الذي أدخل فيه شركة أو مؤسسة أو مصنعا تجاريا في دولة عربية تتصدره صورة لموظف مخلص يجسد تقدير هذه المنظمة لأفرادها، والأهم من ذلك ان يحظى الموظف بامتيازات تليق بجهده وتفانيه. وتأكدوا أن ذلك ليس في مصلحة الموظف فحسب بل المنظمة برمتها واسألوا كادبوري. هذا ما اشار اليه موقع بيت متمثل باستاذ تطوير الموارد البشرية ادريس عبد الوارث.
ويبقى السؤال لشبابنا العاطلين عن العمل في وظائفهم : لما تتباكى لغرض الحصول على الوظيفة وعندما تحصل عليها تكون اتكالياً ولا تبدع ولا تظيف ولا تطور من نفسك وعملك؟