تأريخ جديد للعراق الجريح يبدأ بسقوط مدينة السلام بغداد عام 2003 بيد جيش التحالف المحتل الذي تقوده أمريكا وبريطانيا ، الجيش العالمي الذي ازاح نظام صدام حسين الرئيس السفاح المرعب ثم قَتل هيبته في نفوس محبيه بطريقة القبض عليه فمات صدام حينها. منذُ ذلك التأريخ والى الآن والعراق يعيش على صفيح ساخن ، فسرعان ما أنفجرت عيون حزبية نهبت البلاد من الوريد الى الوريد فتدفق بسببها نهر الدم في العراق الى يومنا هذا و لا جفاف له إلا بزوال هذه الأحزاب ومحاكمة كل الحكومات بعد التحرير المزعوم والمليشيات التي تكونت بظل دولة ضعيفة يقودها الجار الطامع ، وقد ترى جفاف دجلة والفرات معاً ولن ترى جفاف نهر الدم بوجودهم ، خاصة بعدما سيطروا في الشارع بقوة السلاح وانتشروا في المدن بإسم اللادولة ثم دخول ممثليهم البرلمان ومؤسسات الدولة العسكرية والمدنية .
تشير المادة (9) اولاً : (ب) من الدستور العراقي الى “”حظر تكوين ميليشيات عسكرية خارج إطار القوات المسلحة”” ولكن القانون في البلد موظف جبان يستقوي على الضعفاء وينحني للاقوياء ، مرحلة اخرى على ما يبدو اننا متوجهون اليها في ظل وضع عراقي ساخن سبقه اختراق للدستور عدة مرات في مسألة تشكيل الحكومة ولكن هل صار الناخب العراقي يحمل الوعي الكافي بعد التجارب التي ارهقته كمواطن وكلفت العراق مزيداً من التأخر مقارنةً بين الدول ؟؟ .
قُتل المواطن العراقي ولقتله لا ضرورة لاطلاق الرصاص يكفي ان تنهب حقه وخبز اطفاله. هل يعقل ان العراق الثري عراق البترول والموارد الطبيعية والثروات يكتظ بالفقراء ويعجز عن توفير الخدمات وفرص العمل لأبنائه ! فمنذُ سنوات ومشكلات العراق تكثر وتتراكم ، مشاكل امنية وسياسية وكثرة البطالة والفقر وارتفاع أسعار الغذاء بالإضافة الى التصحر والجفاف ، انفق العراق ٧٠ مليار دولار ولا يزال التيار الكهربائي غائباً في الصيف اللاهب كل هذا جاء بفعل المبارزات بين الأقوياء من الاحزاب المتسلطة على الشعب ذات الاذرع المسلحة المدارة من خارج الحدود. بغداد التي كانت في القرن التاسع الميلادي حاضرة العالم ومنارة الكوكب بالعلم والأدب والفلسفة تبحث اليوم عن من يخلصها من إحتلال دمرها.
نعيش اليوم في جمهورية الوطن المسروق والشعب الجائع الخائف من مصيره المجهول ، بظل ديموقراطية الفساد في المؤسسات والمجتمع، مرت ايام على احداث جديدة دعا لها مقتدى الصدر صاحب “جيش المهدي” المتهم بكثير من جرائم القتل والتغييب التي وقعت في بغداد ومحافظات أخرى إضافة للفساد الذي ينخر تياره الصدري باعتراف منه شخصياً وكذلك تهمٌ باستغلال ثورة تشرين العظيمة عام2019 وقتلِ شبابها ، ورغم هذا كله خرج أجزاء من المجتمع اضافة لأتباعه من الصدريين بعد دعوات صريحة من زعيم التيار الصدري لثورة أسماها ثورة الإصلاح التي من المؤمل ان تكون داعمة لقيام دولة ديمقراطية تتسع لكل المكونات وقادرة على صناعة قرارها في ملفات الداخل والخارج ، الأمر الذي ازعج غريمه السياسي الإطار التنسيقي بزعامة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الرئيس الفاشل والفاسد بعين الشعب الذي جعل العراق كقارب مثقوب يهرب منه الجميع وتسبب بمجازر عديدة اهمها سبايكر .
لذلك يرى مراقبون ان نجاح مقتدى قد يؤدي إلى تقليص دور القوى الداعمة لنهج اللادولة في الداخل وشل حركتهم ، وإلى انتهاء التدخلات الخارجية وخاصة الإيرانية وكلها مشاهد تعيد التوتر إلى مفاصل التركيبة العراقية الداخلية فجهة كبيرة تراها فرصة لبناء دولة ذات مؤسسات وسيادة يتعايش فيها الشيعي والسُّنّي والكردي بسلام.
واخرى تؤمن بالسلاح وبالقوة وحدها كوسيلة للتخاطب بين المجموعات او وسيلة للتصفية داخل المجموعات نفسها، ولا يقاس الوضع في العراق على طرفي التيار والاطار لكن هما الابرز في الصراع ، فهناك ايضاً جهات كثير تدعو لتكاتف بين القوى الوطنية لتصحيح المسار ، اضافة لقوة شعبية اسمها تشرين لا تؤمن ولا تثق بطرفي الصراع ويحاول الجميع ضمها اليه والتحدث باسمها كونها ممثل رسمي لكل الشعب. ليس سهلاً أن يذهب العراق مرة بعد أخرى إلى الانتخابات وتكون النتيجة انتصار القوى التي لا تؤمن فعلاً ببناء الدولة العصرية وتفكر بالثأر والانتصار على منافسيها بدلاً من التفكير بالتقدم وتطوير البلد وهذا يقودنا لفشل آخر حتماً .
وعلى ما يبدو ان لا جذور للديمقراطية في مجتمعنا ولا جذور لفكرة الدولة وكذلك يجعلنا تأريخ العراق ان نعرف ان البلد لا يتسع لرجلين أقوياء فأما جزار مرعب مثل صدام وأمًا ما نعيشه منذ 19 عام ، وقد تكون مشكلتنا ثقافية قبل أن تكون سياسية ، ربما قد تعلم الشعب الدرس من التجارب السابقة او يتعلم اذا ركز أكثر ما الذي حدث اليمن وفي جارنا الشعب السوري وصديقنا الشعب اللبناني، فالجميع موعود بمستقبل افضل في ظل التغيير المزعوم الذي سيحدث في الشرق الاوسط ولكن كم عاصمة عربية موعودة بذلك؟؟ الشعب العراقي الضائع بين تأريخ حضارته العريقة وجغرافية المكان الذي يجعله الاضعف في المثلث العراقي _الايراني _ التركي يطمح ببناء بلد آمن ومزدهر ذات سيادة قوية بلد يسوده البناء والتنمية والاستثمار والازدهار كما فعل أشقاءه في الخليج بلد تكون الوطنية فيه هي الانتماء.