محمد الغالبي – كربلاء
ان احد المعايير التي يقاس بها تحضر المدن هو تجاوزها حدود الفقر ، اذ لا يمكن ان نتخيل معاناة مدينة معينة من سوء نمط العيش، نتيجة الفقر والعشوائيات ونرتجي ان تكون مدينة ناهضة تضاهي المدن المتطورة، وهذا يعتمد على فاعلية الادارة العامة فيها وحسن تطبيق القانون ووعي شعبي مجتمعي.
واذ ندرك مدى اختلاط الامور وصعوبة فرز المعوزين والفقراء وبين فقراء النفوس وضعافها الذين يزاحمون الفقير والمتعفف باستحقاقه، فبات من الصعب تغطية عوز الفقراء بصورة شاملة وكاملة، بالرغم من ان الدولة والمؤسسات الدينية واهل المعروف يسعون دائما لتزكية اموالهم وتسخير مؤسساتهم وتقديم المعونة قدر المستطاع.
ولعل المشكلة تكمن بنوع آخر من الظواهر الاجتماعية كالتسول باساليب شتى بغية كسب تعاطف الناس والحصول على مساعدتهم.
ولا جدال في ان سلوك هؤلاء يشكل علامة فارقة واستفهام كبير بين حقيقة ادعائهم او استغفالهم للجمهور بغية كسب تعاطفهم معه، وبكلا الحالتين فهي ظاهرة تحتاج الى معالجة حقيقية، لم يغفل عنها المشرع العراقي اذ جعل هكذا سلوك تحت طائلة المحاسبة القانونية، فنص قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 في المادة 390 منه على ان ((يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن شهر واحد ولا تزيد على ثلاثة اشهر كل شخص اتم الثامنة عشر من عمره وكان له مورد مشروع يتعيش منه او كان يستطيع بعمله الحصول على هذا المورد، وجد متسولا في الطريق العام او في المحلات العامة او دخل دون اذن منزلا او محلا ملحقا به لغرض التسول، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنة اذا تصنع المتسول الاصابة بجروح او عاهة او استعمل اية وسيلة اخرى من وسائل الخداع لكسب احسان الجمهور او كشف عن جرح او عاهة او الح في الاستجداء)).
من جهة أخرى حاول المشرع في نص اخر خلق فرصة عمل لهؤلاء، اذ نصت المادة 391 من قانون العقوبات على أنه ((يجوز للمحكمة بدلا من الحكم على المتسول بالعقوبة المنصوص عليها في المادة السابقة ان تامر بايداعه مدة لا تزيد على سنة دارا للتشغيل ان كان قادرا على العمل او بايداعه ملجا او دارا للعجزة او مؤسسة خيرية معترفا بها اذا كان عاجزا عن العمل ولا مال لديه يقتات منه..)).
واعتبر المشرع استغلال القاصر ظرفاً مشدداً وبالاخص اذا كان من ولي القاصر اذ نصت المادة 392 من نفس القانون على ان ((يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة اشهر وبغرامة لا تزيد على خمسين دينارا او باحدى هاتين العقوبتين كل من اغرى شخصا لم يتم الثامنة عشرة من عمره على التسول. وتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على ستة اشهر والغرامة التي لا تزيد على مائة دينار او احدى هاتين العقوبتين اذا كان الجاني وليا او وصيا او مكلفا برعاية او ملاحظة ذلك الشخص)).
وما تقدم يطبق اذا ما كان الظرف طبيعيا، الا اننا ولا يغرب عن البال ظاهرة تسول الاجانب التي كشفت عنها الزيارات المليونية في بعض المدن المقدسة!
اذن لابد من تفعيل دور الاجهزة الادارية المختصة لمعالجة هذه الظواهر بما يحافظ على كرامة الانسان، ويضمن تطبيق القانون.